Thursday, February 17, 2005

16 فبراير 2005


ليس "العدو الصهيوني"، وليس "إبن تيمية"
بيار عقل

الناس العاديّون الذين تظاهروا في شوارع بيروت، وصيدا، وطرابلس، وبعلبك، لم يتّهموا إسرائيل باغتيال رفيق الحريري. ولم يوجّهوا الإتهام لبن لادن أو الزرقاوي ورفاقهم. الناس العاديّون في لبنان (وفي سوريا) لم يكونوا بحاجة إلى أدلّة "بوليسية" لمعرفة الجاني ولتحديد المسؤول عن إغتيال رفيق الحريري. وكان يكفي أن يستمع المرء إلى هتافات الجماهير اللبنانية، خلال اليومين الماضيين، ليتعرّف على هوية القتلة: النظام البعثي "الفاشي" في سوريا.

أما رواية الإنتحاري الأصولي الذي أراد أن "يعاقب" النظام السعودي عبر إغتيال الحريري فلا تستحق التوقّف عندها. فالرواية "مفبركة" سلفاً بأسلوب إستخباراتي معروف وسخيف إلى درجة أن مئات الألوف ممن شيّعوا رفيق الحريري اليوم لم يتوقّفوا عند هذه "المزحة" الباعثة على الإشمئزاز. وإذا كان لا بد من إستثناء لكل قاعدة، فإن "إبن تيمية" وتلامذته من الإرهابيين لم يلطّخوا أيديهم بدماء رفيق الحريري.

أما مناسبة "الدفاع عن إسرائيل"، فهو ما ردّده "المناضل الفلسطيني" و"عضو الكنيست الإسرائيلي" عزمي بشارة من تبرئة للنظام السوري ومن إتهام لإسرائيل والولايات المتحدة باغتيال الحريري. وتحدّث عزمي بشاره بثقة عن "الإحترام" الذي كان النظام السوري يكنّه للحريري! وقد سارع النظام السوري وبعض صحفيّي قناة "الجزيرة" إلى إبراز تصريحات عزمي بشارة كـ"شهادة قومية" على براءة الذئب البعثي من دم الحريري.

ومع أن عزمي بشارة يحظى، رغم ما يقوله عنه رفاقه الفلسطينيون من "طاووسية"، بالتقدير كمثقف عربي بارز، فقد كان حريّاً به أن يمتنع عن لعب هذا الدور التبريري. أولاً، تقديراً للماضي "الفلسطيني" للحريري الذي انتسب إلى "حركة القوميين العرب" وجناحها الفلسطيني (جورج حبش ووديع حداد) في شبابه! وثانياً، لأن المناضل الفلسطيني عزمي بشارة ما يزال حيّاً يُرزق، ولم يتعرّض له أحد، مع أن إسرائيل والولايات المتحدة لا تكن له "الإحترام" الذي زعم أن النظام السوري كان يكنّه لرفيق الحريري. وأيضاً، لأنه يصعب مقارنة الإنتخابات الفلسطينية التي جرت "في ظل الإحتلال" بما يسمّى "إستفتاءات" في سورية غير المحتلّة.

وعلى سبيل الإستطراد، فالمثقّف العربي الكبير بطرس بطرس غالي خرج يوم أمس بتعليقات تندّد بالقرار 1559 الخاص بالوجود السوري في لبنان مشددا على ضرورة أن يتم تنفيذه بالاتفاق بين دمشق وبيروت وبدون تدخل أجنبي.. وانتهىغالي إلى أن أحداً لا يستطيع "تصدير الديمقراطية كما يتم في السلع والبضائع لأن الديمقراطية بحاجة إلى الثقافة والتقاليد"! هل ينكر السيد غالي أن تقاليد الديمقراطية اللبنانية (على علاتها) كانت قد أتاحت للبلد الصغير، وحتى الغزو البعثي للبنان، بأن يكون الملاذ الآمن لكل المضطهدين السياسيين في العالم العربي؟ ولماذا يخشى الأمين العام السابق لـ"الأمم المتحدة" من التدخّل "الأجنبي" لصالح ما يسمّيه "تصدير الديمقراطية"؟ هل يخشى المثقف بطرس بطرس غالي أن تكون عودة الديمقراطية "سابقة خطيرة" بالنسبة للوضع المصري؟

أن يصمت المثقّف لأن ظروفه لا تسمح، مفهوم. أما أن يقحم نفسه لتقديم الخدمات لأنظمة القمع... هذا كلّه يذكّرنا بجواب أمين عام الجامعة العربية، عمرو موسى، لوفدٍ كردي جاء إلى القاهرة بعد سقوط صدّام ليطالب الجامعة العربية بـ"الإعتذار من الشعب الكردي" الذي تعرّض للإبادة من غير أن تصدر "الجامعة" بيان تنديدٍ واحد, كان جواب عمرو موسى أنه "لم يكن يعرف" بما حدث للشعب الكردي في ظل صدام حسين.

إغتيال الحريري حلقة جديدة في مسلسل إرهاب المجتمع اللبناني (بعد تدمير مؤسسات المجتمع السوري) عبر "إبادة" نُخَبِه السياسية واحداً بعد الآخر. في المستقبل، ربما القريب، لا تقولوا "لم نكن نعرف" !

للتعليق على هذا الموضوع
geovisit();
Comments: Post a Comment

<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?